فصل: مناسبة الآية لما قبلها:

/ﻪـ 
البحث:

هدايا الموقع

هدايا الموقع

روابط سريعة

روابط سريعة

خدمات متنوعة

خدمات متنوعة
الصفحة الرئيسية > شجرة التصنيفات
كتاب: الحاوي في تفسير القرآن الكريم



لا تصيب النفوس الظالمة فقط بل تصيب ظلمتها الأرواح النورانية والقلوب الربانية فتجتذبها من حظائر القدس ورياض الأنس إلى حضائض صفات الإنس {واعلموا أن الله شديد العقاب} يعاقب الواصلين بالانقطاع والاستدراج عن الالتفات إلى ما سواه {واذكروا إذ أنتم} أيها الأرواح والقلوب {قليل} لم ينشأ بعد لكما الصفات الأخلاق الروحانية {مستضعفون} من غلبات صفات النفس لإعواز التربية بألبان آداب الطريقة ولانعدام جريان أحكام الشريعة عليكم إلى أوان البلوغ.
{يخافون} أن تسلبكم النفوس وصفاتها والشيطان وأعوانه {فآواكم} إلى حظائر القدس {وأيدكم} بالواردات الربانية {ورزقكم} المواهب الطاهرة من لوث الحدوث.
{يا أيها الذين آمنوا} يعني الأرواح والقلوب المنوّرة بنور الإيمان المستسعدة بسعادات العرفان {لا تخونوا الله} فيما آتاكم من المواهب فتجعلوها شبكة لاصطياد الدنيا ولا تخونوا الرسول بترك السنة والقيام بالبدعة {وتخونوا أماناتكم} التي هي محبة الله، وخيانتها تبديلها بمحبة المخلوقات {وأنتم تعلمون} إنكم تبيعون الدين بالدنيا والمولى بالأولى {فتنة} يختبركم الله بها بالتمييز الموافق من المنافق، والصديق من الزنديق.
{يا أيها الذين آمنوا} بهذه المقامات والكرامات {أن تتقوا الله} من غير الله: {يجعل لكم فرقانًا} يفض عليكم من سجال جماله وجلاله القديم ما تفرقون به بين الحدوث والقدم {ويكفر عنكم} سيئات وجودكم الفاني {ويغفر لكم} يستركم بأنوار جماله وجلاله: {والله ذو الفضل العظيم} وهو البقاء بالله بعد الفناء فيه {ليثبتوك} أيها الروح في أسفل سافلين الطبيعة أو يعدموك بانعدام آثارك {أو يخرجوك} من عالم الأرواح {والله خير الماكرين} يصلح حال أهل الصلاح ألبتة. اهـ.

.تفسير الآية رقم (31):

قوله تعالى: {وَإِذَا تُتْلَى عَلَيْهِمْ آَيَاتُنَا قَالُوا قَدْ سَمِعْنَا لَوْ نَشَاءُ لَقُلْنَا مِثْلَ هَذَا إِنْ هَذَا إِلَّا أَسَاطِيرُ الْأَوَّلِينَ (31)}

.مناسبة الآية لما قبلها:

قال البقاعي:
ولما ذكر مكرهم بالرسول، ذكر مكرهم بما أرسل به، فقال عاطفًا على إذ أنتم: {وإذا تتلى} أي من أي تال فرض {عليهم آياتنا} أي التي هي الفرقان جلالة وعظمًا لم يدعوها تؤثر في تلك الحالة، بل {قالوا} إظهارًا لعنادهم لها وتشيعًا بما لم يعطوا وادعاء لما لمن ينالوا {قد سمعنا} ولما لم يتأثر عن سماعهم الإذعان، تشوف السامع إلى علة إعراضهم فقال معللًا أو مستأنفًا: {لو نشاء} أي في أيّ وقت أردنا {لقلنا مثل هذا} أي لأنه ليس قول الله كما يزعم محمد {إن} أي ما {هذا} الذي يتلى عليكم {إلا أساطير} جمع سطور وأسطار جمع سطر {الأولين} أي من بني آدم، سطروا فيها علومهم وأخبارهم فهو من جنس كلامنا وقائله من جنسنا، وهذا غاية المكابرة لأنه قد تحداهم بقطعة من مثله إن كان له- كما يزعمون- مثل، وبالغ في تقريعهم فما منعهم- من إبراز شيء مما يدعون وليس بينهم وبينه بزعمهم إلا أن يشاءوا، مع انتقالهم إلى أشد الأمور: السيف الماحق على تهالكهم على قهره صلى الله عليه وسلم وعلى ما لهم من فرط الأنفة من العار والبعد مما يقضي عليهم بالغلب أو أن يوصفوا بالكذب- إلا علمهم بأن ذلك فاضحهم، ومخزيهم مدى الدهر وقائحهم، والمعنى أني أثبت هذا النبي الكريم على صبره على ذلك ومثابرته على أداء الأمانة بالاجتهاد في النصيحة على ما يلقى إن نجيته منهم ومنعته من جميع ما كادوه به، وكنت لا أزل أؤيده باتباع من أعلم فيه الخير إلى أن هيأت له دارًا وخبأت له أنصارًا، وجعلت داره بالأصحاب منيعة، وبنيت لها أعمدة بصوارم الأحباب ثابتة رفيعة، نقلته إلى ذلك مع اجتهاد أهل العناد وهم جميع أهل الأرض في المنع، فلم يؤثر كيدهم، ولا أفادهم مع أيدي أيدهم، وجعلت نفس نقلته له فرقانًا يفرق بها بين الحق والباطل، وصار إلى ما ترون من قبول الأمر وجلالة القدر ونفاذ الفصل بين الأمور وظهر دينه أيّ ظهور، فلازموا التقوى ملازمته وداوموا على الطاعة مدوامته أهب لكم من سيادته وأحملكم بملابس إمامته. اهـ.

.القراءات والوقوف:

قال النيسابوري:

.القراءات:

{بما تعملون}، {بصير} بتاء الخطاب: يعقوب.

.الوقوف:

{مثل هذا} لا لأن الابتداء بأن هذا إلا أساطير الأولين قبيح {الأولين} o {أليم} o {وأنت فيهم} ط {يستغفرون} o {وما كانوا أولياءه} ط {لا يعلمون} o {وتصدية} ط {تكفرون} o {عن سبيل الله} ط {يغلبون} ط لأن ما بعده مبتدأ {يحشرون} o لا لتعا اللام {في جهنم} ط {الخاسرون} o {ما سلف} ط لابتداء الشرط مع العطف {الأولين} o {كله لله} ط {بصير} o {مولاكم} ط {النصير} o. اهـ.

.من أقوال المفسرين:

.قال الفخر:

{وَإِذَا تُتْلَى عَلَيْهِمْ آَيَاتُنَا قَالُوا قَدْ سَمِعْنَا لَوْ نَشَاءُ لَقُلْنَا مِثْلَ هَذَا إِنْ هَذَا إِلَّا أَسَاطِيرُ الْأَوَّلِينَ (31)}
اعلم أنه تعالى لما حكى مكرهم في ذات محمد حكى مكرهم في دين محمد، روى أن النضر بن الحرث خرج إلى الحيرة تاجرًا، واشترى أحاديث كليلة ودمنة، وكان يقعد مع المستهزئين والمقتسمين وهو منهم، فيقرأ عليهم أساطير الأولين، وكان يزعم أنها مثل ما يذكره محمد من قصص الأولين، فهذا هو المراد من قوله: {قَالُواْ قَدْ سَمِعْنَا لَوْ نَشَاء لَقُلْنَا مِثْلَ هذا إِنْ هذا إِلاَّ أساطير الاولين} وههنا موضع بحث، وذلك لأن الاعتماد في كون القرآن معجزًا عن أنه صلى الله عليه وسلم تحدى العرب بالمعارضة، فلم يأتوا بها، وهذا إشارة إلى أنهم أتوا بتلك المعارضة، وذلك يوجب سقوط الدليل المعول عليه.
والجواب: أن كلمة {لَوْ} تفيد انتفاء الشيء لانتفاء غيره.
فقوله: {لَوْ نَشَاء لَقُلْنَا مِثْلَ هذا} يدل على أنه ما شاء ذلك القول، وما قال.
فثبت أن النضر بن الحرث أقر أنه ما أتى بالمعارضة، وإنما أخبر أنه لو شاءها لأتى بها، وهذا ضعيف.
لأن المقصود إنما يحصل لو أتى بالمعارضة، أما مجرد هذا القول فلا فائدة فيه. اهـ.

.قال السمرقندي:

{وَإِذَا تتلى عَلَيْهِمْ ءاياتنا} يعني القرآن.
{قَالُواْ قَدْ سَمِعْنَا}، يعني قد سمعنا قولك.
{لَوْ نَشَاء لَقُلْنَا مِثْلَ هذا}، أي مثل هذا القرآن.
{إِنْ هذا إِلاَّ أساطير الاولين}، نزلت في شأن نضر بن الحارث، كان يحدث عن الأمم الخالية من حديث رستم وإسفنديار، فقال: إن الذي يخبركم محمد مثل ما أحدثكم من أحاديث الأولين وكذبهم، فقال له عثمان بن مظعون: اتق الله يا نضر، فإنه ما يقول إلا حقًا، فقال النضر بن الحارث قوله تعالى: {وَإِذْ قَالُواْ اللهم إِن كَانَ هذا هُوَ الحق مِنْ عِندِكَ}. اهـ.

.قال الثعلبي:

{وَإِذَا تتلى عَلَيْهِمْ آيَاتُنَا قَالُواْ}
يعنى النضر بن الحرث {قَدْ سَمِعْنَا لَوْ نَشَاءُ لَقُلْنَا مِثْلَ هذا} وذلك أنّه كان يختلف تاجرًا إلى فارس والحيرة فيسمع سجع أهلها وذكرهم أخبار العجم وغيرهم من الأُمم، فمر باليهود والنصارى فرآهم يقرأ ون التوارة والإنجيل ويركعون ويسجدون، فجاء مكّة فوجد محمدًا يقرأ القرآن ويصلّي. فقال النضر: قد سمعنا لو نشاء لقلنا مثل هذا {إِنْ هذا إِلاَّ أَسَاطِيرُ الأولين} أخبار الأُمم الماضية وأعمارهم، قال السدي: أساجيع أهل الحيرة.
والأساطير جمع الجمع وأصلها من قوله: سطرت أي كتبت، وواحدها سطر ثمّ تجمع أسطار أو سطور ثمّ فيجمعان أساطر وأساطير. وقيل: الأساطير واحدها أُسطورة وأسطار. والجمع القليل: أسطر. اهـ.

.قال الماوردي:

قوله عز وجل: {وَإِذَا تُتْلَى عَلَيْهِمْ ءَايَاتُنَا قَالُواْ قَدْ سَمِعْنَا}
يحتمل وجهين:
أحدهما: قد سمعنا هذا منكم ولا نطيعكم.
والثاني: قد سمعنا قبل هذا مثله فماذا أغناكم.
{لَوْ نَشَاءَ لَقُلْنَا مِثْلَ هَذَا} يحتمل وجهين:
أحدهما: مثل هذا في النظم والبيان معارضة له في الإعجاز.
والثاني: مثل هذا في الاحتجاج معارضة له في الاستدعاء إلى الكفر.
{إِنْ هَذَا إِلاَّ أَسَاطِيرُ الأَوَّلِينَ} يعني أحاديث الأولين ويحتمل وجهين:
أحدهما: أنه قصص من مضى وأخبار من تقدم.
والثاني: أنه مأخوذ عمن تقدم وليس بوحي من الله تعالى.
وقيل إن هذه الآية نزلت في النضر بن الحارث بن كلدة، وقد قلته النبي صلى الله عليه وسلم صبرًا في جملة ثلاثة من قريش: عقبه بن أبي معيط، والمطعم بن عدي، والنضر بن الحارث وكان أسير المقداد، فلما أمر رسول الله صلى الله عليه وسلم بقتل النضر قال المقداد: أسيري يا رسول الله، فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم: «اللَّهُمْ أَعِنِ المِقْدَادَ»، فقال: هذا أردت. وفيه أنزل الله تعالى الآية التي بعدها.
{وَإِذْ قَالُواْ اللَّهُمَّْ إِنْ كَانَ هَذَا هُوَ الحَقَّ مِنْ عِندِكَ فَأَمْطِرْ عَلَيْنَا حَجَارَةً مِنَ السَّمَاءِ أَوْ ائْتِنَا بِعَذَابٍ أَلِيمٍ}. اهـ.

.قال ابن عطية:

{وَإِذَا تُتْلَى عَلَيْهِمْ آَيَاتُنَا قَالُوا قَدْ سَمِعْنَا لَوْ نَشَاءُ لَقُلْنَا مِثْلَ هَذَا إِنْ هَذَا إِلَّا أَسَاطِيرُ الْأَوَّلِينَ}
الضمير في {عليهم} عائد على الكفار، والآيات هنا آيات القرآن خاصة بقرينة قوله: {تتلى}، و{قد سمعنا} يريد وقد سمعنا هذا المتلو {لو نشاء لقلنا} مثله وقد سمعنا نظيره على ما روي أن النضر سمع أحاديث أهل الحيرة من العباد فلو نشاء لقلنا مثله من القصص والأنباء فإن هذه إنما هي أساطير من قد تقدم، أي قصصهم المكتوبة المسطورة، و{أساطير} جمع اسطورة، ويحتمل أن يكون جمع أسطار ولا يكون جمع أسطر كما قال الطبري، لأنه كان يجيء أساطر دون ياء، هذا هو قانون الباب، وقد شذ منه شيء كصيرف قالوا في جمعه صيارف، والذي تواترت به الروايات عن ابن جريج والسدي وابن جبير الذي قال هذه المقالة هو النضر بن الحارث، وذلك أنه كان كثير السفر إلى فارس والحيرة، فكان قد سمع من قصص الرهبان والأناجيل، وسمع من أخبار رستم وإسبنديار، فلما سمع القرآن ورأى فيه من أخبار الأنبياء والأمم، قال: لو شئت لقلت مثل هذا، وكان النضر من مردة قريش النائلين من رسول الله صلى الله عليه وسلم، ونزلت فيه آيات من كتاب الله، وقتله رسول الله صلى الله عليه وسلم صبرًا بالصفراء منصرفه من بدر في موضع يقال له الأثيل وكان أسره المقداد، فلما أمر رسول الله صلى الله عليه وسلم بضرب عنقه قال المقداد: أسيري يا رسول الله، فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم: إنه كان يقول في كتاب الله ما قد علمتم، ثم أعاد المقداد مقالته حتى قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: «اللهم أغن المقداد من فضلك» فقال المقداد: هذا الذي أردت، فضرب عنق النضر، وحكى الطبري عن سعيد بن جبير أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قتل يوم بدر صبرًا ثلاثة نفر، المطعم بن عدي، والنضر بن الحارث، وعقبة بن أبي معيط.
قال القاضي أبو محمد: وهذا وهم عظيم في خبر المطعم، فقد كان مات قبل يوم بدر، وفيه قال النبي صلى الله عليه وسلم: «لو كان المطعم حيًا وكلمني في هؤلاء النتنى لتركتهم له» يعني أسرى بدر. اهـ.

.قال ابن الجوزي:

قوله تعالى: {وإذا تتلى عليهم آياتنا}
ذكر أهل التفسير أن هذه الآيه نزلت في النضر بن الحارث بن علقمة بن كلدة، وأنه لما سمع رسول الله صلى الله عليه وسلم يذكر قصص القرون الماضية، قال: لو شئت لقلت مثل هذا.
وفي قوله: {قد سمعنا} قولان:
أحدهما: قد سمعنا منك ولا نطيعك.
والثاني: قد سمعنا قبل هذا مثله، وكان النضر يختلف إلى فارس تاجرًا، فيسمع العبَّاد يقرءون الإنجيل.
وقد بين التحدِّي كذب من قال: {لو نشاء لقلنا مثل هذا}.
وقد سبق معنى الأساطير في [الأنعام: 25]. اهـ.